الخميس، 30 يوليو 2015

سوزان خواتمي في قبلة خرساء: ترمي طعمها الأول للقارئ

قراءة في مجموعة (قبلة خرساء/ صوت يصعد شجر الحكاية)

نذير جعفر
اتخذت سوزان خواتمي عنوان قصتها «قبلة خرساء» عنواناً عاماً لمجموعتها الرابعة, وهذا يشير إلى موقعها الخاص في نفسها من ناحية, وإلى رغبتها في لفت انتباه القراء إليها من ناحية ثانية, وإلى ما تشكله من ثيمة دلالية تتقاطع عندها مجمل مناخات المجموعة من ناحية ثالثة. فإلى أيّ حدّ تمثّل هذه القصّة المستوى الفنّي الذي بلغته تجربتها القصصية, وما القاسم المشرك بينها وباقي القصص؟

أوّل ما يطالعنا في «قبلة خرساء» هو عنوانها الذي يثير التساؤل والفضول عن المعنى والكيفية التي تكون فيها القبلة خرساء, وعما توحيه هذه الاستعارة بإسناد الخرس إلى القبلة؟ ثم يأتي الاستهلال الشائق بصيغة ضمير المتكلم الذي يوهم بتطابق صوت الراوية مع صوت الكاتبة: «الحق يقال لم يأخذني عنوة, سألني ما رأيك؟ ..فسكت». يأتي بحمولته السيكولوجية الكثيفة وانفتاحه على أفق التوقعات, ليحفّز القارئ على القراءة والتفاعل مع النّص. وبذلك تكون الكاتبة قد رمت طعمها الأول للقارئ عبر العنوان والاستهلال ليشاركها لعبة الخيال. وثاني ما يطالعنا هو الحبكة الحديثة التي تكسر نظام التتابع الخطّي للأحداث, فتبدأ قصّتها من النهاية لتعود ساردة ما حدث للبطلة من البداية, وما بين هاتين المسافتين: النهاية والبداية هناك استرجاعات زمنية تضيء ماضي الشخصيّة: «قبل سنوات كنت في أوج مراهقتي, انحصر همي في لفت الأنظار». هذه الاسترجاعات التي تقتحم السياق الزمني للقصّة في لحظته الراهنة لتعيده إلى الوراء بين مسافة وأخرى تحرّر السرد من الرتابة والترهّل والنمطية, وتجعله أكثر ديناميكية وحيوية, كما تستدعي يقظة القارئ وتفاعله عبر انتقال ذهنه ما بين برهتين زمنيتين (الحاضر والماضي) في آن معاً. وثالث ما يطالعنا في «قبلة خرساء» ذلك التحوّل المصيري في حياة البطلة الذي تحدّد بما قبل «القبلة», وما بعدها. إذ كان من الممكن لحياتها أن تنقضي على منوالها كما تقول لو لم يحتجزها صاحب محل العطر الذي تعمل عنده ذاك المساء ويقفل باب المحل عليهما داسّاً في كفها أجرة «التاكسي»! وهذا التحوّل السلبي يكشف لها الكذبة التي كانت تعيشها من خلال قول صديقتها لها بأن القبلة ممتعة. وهي لا تعدو أن تكون في السياق الذي تمّت فيه سوى قبلة خرساء لاتطاق بلا روح ولا طعم! إن جمالية القصّة القصيرة لا تتوقف عند عناصر الاقتصاد اللغوي, والإيحاء, والتشويق, التي حرصت عليها الكاتبة, إنما هي تتعدى ذلك إلى رصد لحظة تحوّل مصيري, أو لحظة صراع نفسي داخلي في حياة الشخصيّة, وهذا ما بدا واضحاً في تركيزها على حياة البطلة ما قبل القبلة وبعدها. ورابع ما يطالعنا هو الفضاء المكاني الحلبي العتيق الذي يبتلع حياتها حيث يبدأ يومها منه وينتهي فيه, ما بين حيّ «العقبة» و«والسبع بحرات» و«باب النصر» و«حارة الكيّالي», هذا الفضاء الذي يستدعي تعليق القراءة والتأمل واستعادة الذكريات, لما يمارسه من سطوة على الذاكرة الجمعية لأبناء حلب. وهو لم يصوّر تصويراً سياحيّاً, بل جاء وصفه بما يعمّق إحساس البطلة بوحدتها, وبسوء مزاجها, وبما يفسّر فقرها, ورغباتها الدفينة, وبما يوهم بواقعية الشخصيّة وواقعية الحدث أيضاً. إن قصّة «قبلة خرساء» تتقاطع مع مناخات المجموعة برمّتها من حيث الموضوعات التي تتمحور حول المعاناة الصامتة للمرأة, كما في قصة «مواء», و«رقصة الفالس الوردية», و«أصابع بطاطا تحترق», و«نعي فاضلة». هذه المعاناة المشدودة بين قوسي الحلم والواقع, وما يخلفانه من ندوب عميقة في الروح والجسد. إن الكاتبة تعزّز مغامرتها الفنيّة في القصص الأخرى, فتوظف أشكالاً متنوعة للراوي ما بين المتكلّم والغائب والمخاطب, كما تستثمر العنونة الفرعية للأحداث وتناميها, وكذلك تقنيات الحلم, والاستباق, والاعترافات. كما تقارب فضاءات مكانية متعيّنة مثل حلب وبغداد, وفضاءات غير متعينة تسهم في تعميم الحدث والفكرة أيضاً. وخلاصة القول إن مجموعة «قبلة خرساء» على ما في قصصها من تباين واختلاف في المستوى الفنّي, تكشف عن كاتبة لها صوتها الخاص, وحساسيتها ورؤيتها الخاصة لما يحيط بها, كما تكشف عن دراية ومران ورغبة في الخروج عن المألوف, من دون مغادرة فضاء الواقع وما يعتمل ويصطرع به من تناقضات. ولعل ما تعد به هذه المجموعة لهو أغنى بكثير مما تم إنجازه حتى الآن, والرهان على ما ستقدمه سوزان خواتمي في المستقبل القريب.‏

محاولة لقول : عيب!

سوزان خواتمي
غرق غيث (ابن صديقتي) الفتى الجميل موفور الصحة، الذي خرج من سوريا هرباً من الموت، فالتقاه وجهاً لوجه في عرض بحر ظالم ومظلم. مهربو الأمل تاجروا به وبأمله في الوصول نحو ضفة أخرى لا نصلها. لكن؛ عليّ ألاَّ أبكي غيث الغارق غدراً، فمن هو أمام أكثر من مليون طفل سوري "لاجئ" يواجهون الكارثة بصمت جارح؟!

تخترق رصاصة زجاج نافذة منزل أهلي - وكان يوماً أمني وطمأنيتي - لتصيبَ كتف قريب لي بعد أن أخطأت رأسه. لكن؛ عليّ ألاَّ أفزع أو أجزع، فما الذي ستشكله رصاصة طائشة تصيب بمشيئة القَدر قريبي، أمام العشرات ممن قضوا (قضاءً وقدراً!) تحت أنقاض منازلهم التي تهدمت فوق رؤوسهم؟!

يتشتت أخوة وأبناء عائلات بأكملها، مغامرين، كلٌّ نحو بلد تلفظه وأخرى ترفضه وتستجمع قوانينها لتحاصر كرامته وقوت عيشه وفرص تعليمه. لكن؛ كيف لي أن أنزعج لتفاصيل تتصاغر وتبهت وتتلاشى أمام هول اغتصاب السوريات القاصرات في المخيمات بعقد شرعي أو حتَّى بدونه؟!

يُسرق معمل أحد المعارف، وتُنهب آلات النسيج حتى آخر برغي فيها. المعمل الذي أفنى - أحد المعارف هذا - شبابه وهو يجمع آلاته الواحدة تلو الأخرى رغم خراب الديار والهلع من بدايات الصفر المطلق. لكن؛ من يحق له الإحساس بالخسارة، أمام خسارات ما يزيد عن قُرابة مليونيْ سوري تم إحصاؤهم وتسجيلهم كنازحين خارج سوريا؟!

ينتصر المرض - ابنُ الطبيعة البِكر - وتظهر حالات جديدة من شلل الأطفال. تُقتل فلانة أمام أسماع وأنظار ابنتها وطلابها في الروضة. يُخطف فلان و علان وابن عمهما أيضًا. ينكشف ستر الأُسر. يتضور الفقراء جوعاً. يبيت الآلاف في المدارس والحدائق والملاعب. تنتشر الأوبئة كتفاً بكتف مع القمامة. تشح الأدوية. يستعر الغضب فيُحمل السلاح... ليُشهرَ في وجه الموت وأشقائه من سرّاق الحياة وتجار الحروب ولصوص الإغاثة وفاقدي الإنسانية والعاجزين العاجزين...

وأنا - الواقفة على أرض ليست لي - أحاول أن أتماسك، وأحاول أن اًحبسَ الدمع، وأحاول أن أؤجل النواح وأقولَ: عيب!

الرأي .. حرائقنا الصغيرة

سوزان خواتمي
لم تعد مقولة «اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية» أكثر من شعار مجازي فضفاض، ينفع وقت التنظير، وبيع الحكي، وتجارة المثاليات، لذلك يجب أن لاننساه أبداً، فهو يلزم حين الحاجة.
أما الواقع فيقول: لطالما أفسد الرأي كلاً من الود والقضية معاً. يحدث ذلك الآن كما حدث في السابق، فالتاريخ على سبيل المثال سجل لنا وقائع الخلاف بين جان بول سارتر والبيركامي، وصراعهما المعروف، بعد انحياز كل منهما لرأيه، مما أفسد صداقتهما التي كان من الممكن وقتها أن تخلق مشروع يسار مستقل.
بشكل واضح، تزداد المسافة اتساعاً بين وجهات النظر المتصاعدة، سواء كانت ملاحظات عابرة أو كانت في عمق المبدأ.
فمع اشتعال الربيع العربي اشتعلت الآراء، كحرائق صغيرة تنتهي في أغلب الأحيان إلى خاتمة القطيعة التراجيدية. فما بين المنقسمين إلى مؤيد ومعارض وبين بين، وذلك الذي لا يهتم نهائياً، فروقات كثيرة تؤدي حين الحوارعلى طريقة فيصل القاسم، إلى شروخ يصعب رأبها.
فما يبدأ بـ «تفضل ياسيدي؛ما رأيك بالموضوع»؟ ينتهي بتبادل الشتائم والاتهامات، وربما برشق الماء، أو بأي شيء آخر قريب إلى متناول اليد.
طبعاً لم نكن قبل هذه الفترة بشراً متفرغين لتبادل المحبة والقبلات، لكن تحسب علينا الآن أكثر من أي وقت مضى، ظهورنا كشعوب أميل إلى ممارسة العنف والعنف اللفظي.
إن تباين المواقف، أوصلنا إلى حدود بدأت تروع وتصدع علاقات النسيج الاجتماعي، فالأصدقاء يتخاصمون، والأزواج ينفصلون، والمعارف يتباعدون.
الشروط الموضوعية لتبادل الآراء، ليست منحة إلهية، إنها نتيجة ممارسة وتجربة، ونحن ولله الحمد، لم نتعود التعددية الفكرية، ولم نمارس المحاججة أًصلاً.
بحسب المنظومة الدكتاتورية التي ورثناها وورثتنا تربوياً واجتماعياً وسياسياً، كان الصمت والخنوع أساساً وحيداً للتهذيب، وطريقاً لا مفر منه للسلامة.
المتغيرات التي تحدث في منطقة الشرق الأوسط، تجعلنا متورطين بجدل يومي، فجميعنا معنيون بإلقاء نظرة نحو المستقبل، وإعلان رأينا به. ربما لم يفت الوقت بعد على محاولة مواجهة الذات، والاعتراف بأن عراك اليوم هو السبيل إلى تعلم فن الاختلاف، والرجوع عن الخطأ، والاعتذار، وحسن الاصغاء، والتعامل مع الآخر المختلف، ودفع الفكر إلى ما هو أوسع من «مع أو ضد».. ليس فقط لأن إرضاء الجميع مشكلة والخلاف مع الجميع مصيبة، بل أيضاً لأن رأياً خصباً بلا مودة، خيرٌ من ود عميق بلا آراء.

حلب .. الجميلة النائمة

كأغلب المدن السورية تعاني حلب من تراجع الخدمات، ليس بالقياس مع (زيلع) الصومالية، بل قياساً مع المدن التي تملك استراتيجية وإدارة تنموية قيد التطبيق..!  فلا تتفاجأ على سبيل المثال بالشوارع التي تزدحم وتصبح غير قادرة على استيعاب ما تستورده من السيارات، ولا تسمح لأسباب جمالية وبيئية بزحف المحلات التجارية على المناطق السكنية واحتلالها الواحد تلو الآخر، كما أنها حتماً لاتقطع أكثر من 600 شجرة كي تحول شارعاً له عراقته وجماله إلى شبه اوتوستراد..! الخ.. الخ.. الخ
يتعايش الحلبية مع منطق ( بحلها الحلّال)  ونتيجة للتراكمية فإن الأوضاع وتدريجياً تنتقل من سيء إلى أسوء، من غير أية أمل بقدوم صديقنا "الحلّال" كي يحلها. حلب التي تفقد صلتها بالمستقبل ولا تحافظ على ماضيها تعاني من ضعف الخدمات السياحية، برغم مرور طريق الحرير بها، وبرغم كونها [  ثاني أكبر منطقة سكانية من حيث عدد السكان، والأكبر من حيث القوة الاقتصادية في قطاعي التجارة والصناعة... وبحسب تصنيف اليونسكو تعتبر إرثاً ثقافياً عالمياً ] فالمقاهي التي تنال أهميتها وحصانتها وحظ (زحمتها) من كونها تطل على قلعة حلب، لا يمكن اعتبارها سياحية إلا في قيمة الفاتورة، وسبق لمحافظ حلب أن أشار قبل عامين تقريباً إلى [أهمية مشروع تأهيل محيط قلعة حلب وإعادة توظيف المباني الأثرية، وتحديث كافة البنى التحتية وتحسين المقاهي] فإذا افترضنا أن أحداً من السياح لم يتفرغ لتقديم شكوى حول الفوطة التي تنظف بها المنضدة أو حول الخدمة المهلهلة المتاحة، فإني متفرغة للتساؤل البريء: أين الجهة المسؤولة عن مراقبة القطاع السياحي، ولماذا لايتم الاستفادة من طلبة معهد الفندقة الذين يتخرجون كل عام بالآلاف؟ فمقاهي تلك المنطقة لا يمكن اعتبارها مشاريع خاصة تُهمل أو يُعتنى بها وفقاً لمزاج وإدراك مالكها العفوي..!
شارع النهر ومنطقة الحديقة العامة هي المنطقة الثانية للسياح ووجهتهم لكونها قريبة من الأسواق، ولأن نهر قويق عاد ليعبرها فقد سميت ( رئة حلب). وقد أنجزت لله الحمد كل المراحل التجميلية لشارع النهر، من أرصفة وأشجار وسور، لكن لم تحل مشكلة المنسوب الضعيف جداً لجريان الماء، ما يجعله أقرب إلى مجرى صحي من كونه نهراً بالمعنى الحقيقي للكلمة، هذه المشكلة ( السياحية) ماعدا أنها تضحك السياح حين يلقون نظرة على النهر المزعوم، فإنها أيضاً تثير القلق حول خطر انتشار الأمراض من هكذا مستنقع حتى لو ظللته أشجار النخيل السامقة..!
أزمة المناطق السكنية
قريباً سيكون عدد سكان حلب قد بلغ الأربعة مليون نسمة، ومع هذا التزايد تتزايد القطاعات الخدمية بما فيها الأسواق والمحلات التجارية التي تؤمن حاجة الناس، والتي تنمو عشوائياً لتحتل المناطق السكنية في تشويه أقل ما يمكن أن يقال عنه بأنه غير مسؤول، ويكفي تماماً الحصول على ترخيص تجاري، دون التفكير بجمال المدينة وتقسيماتها، فهذه المحلات تقضي على الأحياء الحديثة الواحد تلو الآخر، هل نعددهم: ماعدا الجملية زحفت المحلات إلى شارع النيل، شارع الروضة، تجميل الفرقان، حي السبيل وصار يسمى شارع الماركات.. و.. و.. بل أن  (مولاً)  بكامل بنيانه ومتطلباته رخص له في شارع (الموكامبو) وضمن مساحة تتقطع لها الأنفاس، فكانت النتيجة بناءاً عمودياً يضم كل طابق فيه محلين أو ثلاثة. البناء يشكو من الاختناق الفعلي ومن الفقر الجمالي المعماري، ليس هو فحسب، بل كل المولات الجديدة التي تشيّد دون واجهات خارجية مميزة، أو حتى ديكورات داخلية ملفتة.. ولا يدعو الوضع للاستغراب، خاصة حين نطل برؤوسنا فنتأمل بحسرة واجهة مبنى كلية العمارة ذاتها ..!
الحقيقة كي لا أظهر كمن يعدد السلبيات ويغفل عن الايجابيات فإن هناك تحسناً ما في الالتزام بالأنظمة المرورية والإشارات الضوئية، لم يكن وارداً في السابق، لكن المضحك حد القهقهة أن نظاماً (مؤنسناً ) أضيف إلى مهمات عناصر شرطة المرور، كبديل استراتيجي لصناديق الكاميرات التي توزع عادة في الشوارع لمراقبة حدود السرعة، ففي حلب يختفي شرطياً وراء شجرة أو بناء أو منعطف محتفظاً لنفسه بلحظة المفاجأة ليقفز من حيث لا ندري كي يلتقط بكاميرته التي بين يديه صورة للسيارة المخالفة.  بطبيعة الحال لا يكتفي الحلبية بابتسامة مشرقة تناسب اللقطة الفريدة، بل هم اخترعوا سبل نجاة خاصة تبدأ بوضع لاصق شفاف فوق النمرة تعكس الضوء فتصعب قراءة الرقم المخالف، أو في شراء جهاز لاقط يكشف جهاز مراقبة السرعة فيخفف السرعة في اللحظة المناسبة ، وأخيراً وهو الأسهل الاتفاق مع الشرطي وإقناعه بـ [تدفئة جيبه] كي يلغي اللقطة، ولا مين شاف ولا مين دري..!
الحلبية يشخرون:
وفق  مقال  ورد في صحيفة النيويورك تايمز الأميركية عنوانه (السياح يعودون إلى التقاطع التاريخي في سورية) يدعو إلى زيارة مدينة حلب مشيراً إلى [ أن السياحة هناك تتحسن بشكل جذري ] إلا أن هكذا خبر لم يستطع إيقاظ الحلبية من سباتهم اليومي الذي يمتد حتى الظهيرة، كظاهرة بليدة بدأت منذ أعوام ومازالت مستمرة لتفرض واقعاً يعاني منه الزوار والسواح والوافدون من القرى القريبة والمناطق القريبة لقضاء حاجاتهم من تسوق وطبابة وخلافه.. بل ولم يستطع قانون التقيد بمواعيد لفتح وإغلاق المحلات الذي أقر منذ عامين أن يحد من غفوة حلب؛ الجميلة النائمة، والتي توحي قبل الساعة الثانية عشر ظهراً بأنها مدينة غير مأهولة، ولا أدري إن كانت فكرة توزيع منبهات مجانية ستكون مجدية كحل استراتيجي وحيوي لهكذا مشكلة..!
لاأحد ينكر أهمية حلب في مجال الصناعة والتجارة لكن يبدو أن إيقاظ التجار وأصحاب رؤوس الأموال والمهن الحرة ومدراء المعامل أمر صعب سواء عانوا، أو كانوا جزءاً من عمليات النصب والاحتيال والشيكات بلا رصيد والافلاسات المتتالية وهروب أصحاب شركات وهمية بوعودهم وأموالهم ..
من أجل الجميلة النائمة تبدو الحاجة ملحة للاستيقاظ والانتباه على المستوى الفردي والجماعي والإداري.. ربما لن يعجب هذا الكلام الحلبية أنفسهم، ولا مجلس مدينتهم، ولكن اعذروني، فأنا أعاني من مرض القسوة على من وما أحب، وهو على فكرة ليس معدياً..!

الأربعاء، 29 يوليو 2015

العالم إذ يبالغ في ادعاءاته


بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، سأستعمل حقي كاملاً في الحرية فأرتدي سترةً من الصوف، صفراء، فاقع لونها، ولن آبه لمن تقول "الأسود يليق بك".


سأتساوى مع الأطفال وأسرق منهم ضحكة صباح - اضطرارية - أستعين بها على قضاء يومي. سأرفض تدخل قهوتي التعسفي في حياتي وأستبدل بها - وبمطلق إرادتي - كوبَ شاي دون سكر.

وسأستولي على الحد المسموح به للاستهلاك الشخصي من ألواح الشوكولا؛ تباً للمحظورات! ولتأمين سلامتي الشخصية وسلامة أعصابي سأغير وجهتي والطرقات المعتادة كي لا أعلق في زحام الشوارع.

سأطالب بالوفير من الراحة، وأتقاعس - دون أدنى شعور بالذنب - عن القيام بواجباتي اليومية (كيّ الملابس على وجه الخصوص). ولن أسمح للمسلسل التركي أن يعذبني في موعده اليومي كما يفعل منذ أكثر من عام (آمل أن المعلومة صحيحة، هل مر عام حقاً(!.

وإمعاناً في حقي بالمعرفة؛ سأقوم بإحصاء عدد المناسبات التي يحتفل بها العالم دون أن يزيد ذلك أو ينقص من معاناة المعذَبين، فعيد العمال - مثلاً -لا يفيد العمال سوى بيوم العطلة.

سأرضخ أمام قوانين الطبيعة وإرادة المنخفض الجوي، وأشعر بالبرد كما يشعر الآخرون. وسأرفض - ليوم واحد على الأقل - استعباد برامج الريجيم والحمية الصحية والكعب العالي ومستحضرات التجميل وسيطرتها على أنوثة حياتي.

أما حرية رأيي وتعبيري المكفولان بالمادة 19 من ميثاق حقوق الإنسان، فسأمارسهما وأمتنع عن الكتابة في شأن سوريا، خاصة وأن الكلمات لا تقدم حلولاً.

قررتُ أن أمارس حريتي كاملة، وتلك كانت حدودها وسقفها الأعلى. حريتي التي تجعلني أنحني بل وأكاد أجثو؛ فقط كي أمر من تحتها دون أن تفتك بي، ولست الوحيدة التي تشعر بالعجز أمام سعة الطموح وضيق الواقع، إذ أشارت منظمة العفو الدولية في تقرير لها اليوم إلى أن "مشكلة اللاجئين تصدرت انتهاكات حقوق الإنسان هذا العام، حيث بلغ عدد اللاجئين في العالم 15 مليون شخص، وفي مقدمتهم اللاجئون السوريون، أما الفقراء فقد تجاوز عددهم 45 مليون شخص".

نعم؛ تُنتهك حقوق البشر كل يوم... بل كل لحظة، أمام مرأى عالم يبالغ في ادعاء الدهشة والبراءة، مما يجعلني عاجزةً عن معرفة مصير الحقوق وارتباطها الفعلي بالإنسان. ويجعلني عاجزةً عن معرفة السلطة الحقيقية التي تقود هذا العالم المتهالك والسائر إلى حتفه بثبات
!