كأغلب المدن السورية تعاني حلب من تراجع الخدمات، ليس بالقياس مع (زيلع) الصومالية، بل قياساً مع المدن التي تملك استراتيجية وإدارة تنموية قيد التطبيق..! فلا تتفاجأ على سبيل المثال بالشوارع التي تزدحم وتصبح غير قادرة على استيعاب ما تستورده من السيارات، ولا تسمح لأسباب جمالية وبيئية بزحف المحلات التجارية على المناطق السكنية واحتلالها الواحد تلو الآخر، كما أنها حتماً لاتقطع أكثر من 600 شجرة كي تحول شارعاً له عراقته وجماله إلى شبه اوتوستراد..! الخ.. الخ.. الخ
يتعايش الحلبية مع منطق ( بحلها الحلّال) ونتيجة للتراكمية فإن الأوضاع وتدريجياً تنتقل من سيء إلى أسوء، من غير أية أمل بقدوم صديقنا "الحلّال" كي يحلها. حلب التي تفقد صلتها بالمستقبل ولا تحافظ على ماضيها تعاني من ضعف الخدمات السياحية، برغم مرور طريق الحرير بها، وبرغم كونها [ ثاني أكبر منطقة سكانية من حيث عدد السكان، والأكبر من حيث القوة الاقتصادية في قطاعي التجارة والصناعة... وبحسب تصنيف اليونسكو تعتبر إرثاً ثقافياً عالمياً ] فالمقاهي التي تنال أهميتها وحصانتها وحظ (زحمتها) من كونها تطل على قلعة حلب، لا يمكن اعتبارها سياحية إلا في قيمة الفاتورة، وسبق لمحافظ حلب أن أشار قبل عامين تقريباً إلى [أهمية مشروع تأهيل محيط قلعة حلب وإعادة توظيف المباني الأثرية، وتحديث كافة البنى التحتية وتحسين المقاهي] فإذا افترضنا أن أحداً من السياح لم يتفرغ لتقديم شكوى حول الفوطة التي تنظف بها المنضدة أو حول الخدمة المهلهلة المتاحة، فإني متفرغة للتساؤل البريء: أين الجهة المسؤولة عن مراقبة القطاع السياحي، ولماذا لايتم الاستفادة من طلبة معهد الفندقة الذين يتخرجون كل عام بالآلاف؟ فمقاهي تلك المنطقة لا يمكن اعتبارها مشاريع خاصة تُهمل أو يُعتنى بها وفقاً لمزاج وإدراك مالكها العفوي..!
شارع النهر ومنطقة الحديقة العامة هي المنطقة الثانية للسياح ووجهتهم لكونها قريبة من الأسواق، ولأن نهر قويق عاد ليعبرها فقد سميت ( رئة حلب). وقد أنجزت لله الحمد كل المراحل التجميلية لشارع النهر، من أرصفة وأشجار وسور، لكن لم تحل مشكلة المنسوب الضعيف جداً لجريان الماء، ما يجعله أقرب إلى مجرى صحي من كونه نهراً بالمعنى الحقيقي للكلمة، هذه المشكلة ( السياحية) ماعدا أنها تضحك السياح حين يلقون نظرة على النهر المزعوم، فإنها أيضاً تثير القلق حول خطر انتشار الأمراض من هكذا مستنقع حتى لو ظللته أشجار النخيل السامقة..!
أزمة المناطق السكنية
قريباً سيكون عدد سكان حلب قد بلغ الأربعة مليون نسمة، ومع هذا التزايد تتزايد القطاعات الخدمية بما فيها الأسواق والمحلات التجارية التي تؤمن حاجة الناس، والتي تنمو عشوائياً لتحتل المناطق السكنية في تشويه أقل ما يمكن أن يقال عنه بأنه غير مسؤول، ويكفي تماماً الحصول على ترخيص تجاري، دون التفكير بجمال المدينة وتقسيماتها، فهذه المحلات تقضي على الأحياء الحديثة الواحد تلو الآخر، هل نعددهم: ماعدا الجملية زحفت المحلات إلى شارع النيل، شارع الروضة، تجميل الفرقان، حي السبيل وصار يسمى شارع الماركات.. و.. و.. بل أن (مولاً) بكامل بنيانه ومتطلباته رخص له في شارع (الموكامبو) وضمن مساحة تتقطع لها الأنفاس، فكانت النتيجة بناءاً عمودياً يضم كل طابق فيه محلين أو ثلاثة. البناء يشكو من الاختناق الفعلي ومن الفقر الجمالي المعماري، ليس هو فحسب، بل كل المولات الجديدة التي تشيّد دون واجهات خارجية مميزة، أو حتى ديكورات داخلية ملفتة.. ولا يدعو الوضع للاستغراب، خاصة حين نطل برؤوسنا فنتأمل بحسرة واجهة مبنى كلية العمارة ذاتها ..!
الحقيقة كي لا أظهر كمن يعدد السلبيات ويغفل عن الايجابيات فإن هناك تحسناً ما في الالتزام بالأنظمة المرورية والإشارات الضوئية، لم يكن وارداً في السابق، لكن المضحك حد القهقهة أن نظاماً (مؤنسناً ) أضيف إلى مهمات عناصر شرطة المرور، كبديل استراتيجي لصناديق الكاميرات التي توزع عادة في الشوارع لمراقبة حدود السرعة، ففي حلب يختفي شرطياً وراء شجرة أو بناء أو منعطف محتفظاً لنفسه بلحظة المفاجأة ليقفز من حيث لا ندري كي يلتقط بكاميرته التي بين يديه صورة للسيارة المخالفة. بطبيعة الحال لا يكتفي الحلبية بابتسامة مشرقة تناسب اللقطة الفريدة، بل هم اخترعوا سبل نجاة خاصة تبدأ بوضع لاصق شفاف فوق النمرة تعكس الضوء فتصعب قراءة الرقم المخالف، أو في شراء جهاز لاقط يكشف جهاز مراقبة السرعة فيخفف السرعة في اللحظة المناسبة ، وأخيراً وهو الأسهل الاتفاق مع الشرطي وإقناعه بـ [تدفئة جيبه] كي يلغي اللقطة، ولا مين شاف ولا مين دري..!
الحلبية يشخرون:
وفق مقال ورد في صحيفة النيويورك تايمز الأميركية عنوانه (السياح يعودون إلى التقاطع التاريخي في سورية) يدعو إلى زيارة مدينة حلب مشيراً إلى [ أن السياحة هناك تتحسن بشكل جذري ] إلا أن هكذا خبر لم يستطع إيقاظ الحلبية من سباتهم اليومي الذي يمتد حتى الظهيرة، كظاهرة بليدة بدأت منذ أعوام ومازالت مستمرة لتفرض واقعاً يعاني منه الزوار والسواح والوافدون من القرى القريبة والمناطق القريبة لقضاء حاجاتهم من تسوق وطبابة وخلافه.. بل ولم يستطع قانون التقيد بمواعيد لفتح وإغلاق المحلات الذي أقر منذ عامين أن يحد من غفوة حلب؛ الجميلة النائمة، والتي توحي قبل الساعة الثانية عشر ظهراً بأنها مدينة غير مأهولة، ولا أدري إن كانت فكرة توزيع منبهات مجانية ستكون مجدية كحل استراتيجي وحيوي لهكذا مشكلة..!
لاأحد ينكر أهمية حلب في مجال الصناعة والتجارة لكن يبدو أن إيقاظ التجار وأصحاب رؤوس الأموال والمهن الحرة ومدراء المعامل أمر صعب سواء عانوا، أو كانوا جزءاً من عمليات النصب والاحتيال والشيكات بلا رصيد والافلاسات المتتالية وهروب أصحاب شركات وهمية بوعودهم وأموالهم ..
من أجل الجميلة النائمة تبدو الحاجة ملحة للاستيقاظ والانتباه على المستوى الفردي والجماعي والإداري.. ربما لن يعجب هذا الكلام الحلبية أنفسهم، ولا مجلس مدينتهم، ولكن اعذروني، فأنا أعاني من مرض القسوة على من وما أحب، وهو على فكرة ليس معدياً..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق